هل ما تراه على "إكس" سعودي فعلًا؟ الأرقام تكشف الحقيقة

معظم ما يراه المستخدم السعودي على "إكس" صادر من مصر لا من الداخل، بفعل الخوارزميات واللغة العربية ووجود جالية مصرية ضخمة. المقال يكشف بعمليات حسابية تقريبية كيف تتشكل الشاشة الرقمية، وكيف يظن المستخدم أن ما يراه سعودي بينما هو انعكاس خارجي، وينبه إلى خطورة تضخيم ما يُعرض على المنصات واعتباره مرآة للواقع المحلي.

هل ما تراه على "إكس" سعودي فعلًا؟ الأرقام تكشف الحقيقة
ما بين الواقع والافتراض: لماذا لا يعكس التريند السعودي الشارع السعودي؟


البدايات: حين تحدد اللغة ما تراه لا الموقع الذي تسكنه

تخيّل أنك فتحت هاتفك هذا الصباح، وبدأت تمرر شاشة "إكس" لتقرأ عشرات التغريدات. قد تظن أن ما تراه صُنع لأجلك وحدك، وأن الخوارزمية تحسب خطواتك الجغرافية بدقة، لكنها في الحقيقة أقل اهتمامًا بمكانك وأكثر افتتانًا بلغتك. إن كان لسانك عربيًا، فستجد نفسك – سواء كنت في الرياض أو جدة أو لندن – أمام محتوى عربي ضخم، يتدفق من أقوى مصادره وأكثرها كثافة: مصر.

الخوارزميات لا تفرّق بين هويتك الوطنية ومكانك الفعلي بقدر ما تهتم بإشارات اللغة التي تستخدمها في التفاعل. اللغة هنا أشبه بمفتاح يفتح أبواب توصيات لا تعرف حدودًا سياسية. ما دام المستخدم يكتب بالعربية ويتفاعل بها، فإن توصيات المحتوى تُسحب من أكبر خزان عربي متاح، ومن أكثر البيئات إنتاجًا للمحتوى: مصر، بما تحمله من ثقل سكاني وثقافي وإعلامي.

ولكي نفهم ذلك بعمق، علينا أن ندرك كيف تبني الخوارزميات "البروفايل" الخاص بنا. ليست المسألة مجرد حسابات سطحية، بل شبكة مترابطة من إشارات:اللغة كمحدد أساسي و الكلمات التي نبحث عنها، التغريدات التي نتفاعل معها، وحتى المدة الزمنية التي نقضيها على بوست معين. كل هذه التفاصيل تُترجم إلى صورة متكاملة عن اهتماماتنا. وبما أن اللغة هي المؤشر الأقوى، فإن الخوارزمية تركّز على الأكثر إنتاجًا وتفاعلاً ضمن هذه اللغة.

إذن، حين يقول أحدهم "تويتر السعودي"، فالواقع أن معظم ما يصادفه المستخدم السعودي العربي على المنصة ليس سعوديًا بالضرورة، بل يأتي من حيث تُنتج أكبر الكتل اللغوية للمحتوى. وإذا دقّقنا، سنجد أن أغلبه صادر من مصر، حيث تُكتب ملايين التغريدات يوميًا بالعربية، وتُضخ في فضاء المنصة كبحرٍ مفتوح، يتشارك فيه كل من يتحدث العربية.

إنها مفارقة تستحق التأمل: نحن نظن أن فضاءنا الرقمي انعكاس لبيئتنا القريبة، بينما الحقيقة أنه انعكاس للساننا ومفرداتنا التي اخترنا أن نتفاعل بها. هنا تكمن أهمية "البروفايل اللغوي"، فهو الذي يحدد ما نراه أكثر من أي خوارزمية تعتمد على خرائط جغرافية أو حدود سياسية.

دعنا نضع الأمر في صورة حسابية تقريبية مبسطة، :

1. الأساس السكاني الرقمي

  • عدد سكان مصر: قرابة 110 مليون نسمة.

  • عدد سكان السعودية: قرابة 35 مليون نسمة.

  • عدد مستخدمي الإنترنت والنشطين على منصة "إكس" (تقديرات تقريبية):

    • مصر: بين 20 – 25 مليون مستخدم نشط.

    • السعودية: بين 8 – 10 مليون مستخدم نشط.

2. تأثير اللغة وحجم الإنتاج

  • المحتوى العربي المتدفق من مصر (تغريدات يومية، تفاعلات، تريندات) أعلى بحكم العدد والكتلة السكانية.

  • السعودية تنتج محتوى نوعي، لكنه أصغر حجمًا، لذا يُدمج تلقائيًا مع بحر أوسع صادر من مصر.

3. العامل الخفي (الجالية المصرية في السعودية)

  • قرابة 2 مليون مصري مقيم في السعودية.

  • هؤلاء يتفاعلون يوميًا مع المحتوى المصري بنفس اللغة وبنفس اللهجة، مما يجعل الخوارزمية تربط المستخدمين السعوديين بهذا المحتوى أيضًا.

4. المعادلة التقديرية للتعرض للمحتوى

إذا افترضنا أن الخوارزمية توزّع المحتوى وفق نسبة حجمه الكلي في الفضاء العربي:

  • مصر تنتج ما يقارب 60 – 65% من إجمالي المحتوى العربي على "إكس".

  • السعودية تنتج ما يقارب 15 – 20%.

  • الباقي يأتي من دول عربية أخرى.

لكن، بإضافة تأثير 2 مليون مصري في السعودية (الذين يعيدون مشاركة المحتوى المصري داخل السياق السعودي)، فإن نسبة وصول المحتوى المصري إلى المستخدم السعودي قد ترتفع من 65% تقريبًا إلى نحو 70 – 75% من شاشته اليومية.

النتيجة

المستخدم السعودي الذي يفتح منصة "إكس" بالعربية يرى في المتوسط:

  • 7 من كل 10 منشورات مصدرها غالبا مصر.

  • 2 من كل 10 منشورات مصدرها سعودي.

  • 1 من كل 10 منشورات مصدرها من دول أخرى.

بهذا يتضح أن اللغة العربية + كثافة الإنتاج المصري + وجود جالية ضخمة داخل السعودية = تجعل مصر المصدر الأول لما يشاهده السعودي على المنصة، حتى لو كان يظن أن المحتوى "سعودي بحت".

الحاجة إلى خاصية تحدد المحتوى بحسب الموقع

وسط هذا التداخل الرقمي، تبرز حاجة ملحّة لميزة بسيطة قد تغيّر شكل تجربتنا على المنصات: أن يُمنح المستخدم صلاحية تحديد أن يظهر له المحتوى المحلي فقط من الدولة التي يعيش فيها. تخيّل لو كانت لديك أداة واضحة داخل "إكس" تتيح لك أن ترى النقاشات السعودية من السعوديين فقط عبر خاصية تحديد المواقع، بعيدًا عن زخم الخارج. عندها ستتضح الصورة، وتعرف ما هو فعلاً نبض مجتمعك وما هو مجرد صدى آتٍ من وراء الحدود.

غياب هذه الخاصية يجعلنا أسرى لخوارزمية لا تراعي خصوصية البيئة الاجتماعية والثقافية لكل بلد. فكما أن الأخبار العالمية تحتاج إلى سياق محلي لتُفهم، كذلك يحتاج المستخدم لأن يعرف إن كان ما يراه يمثل مجتمعه أم يمثل مجتمعات أخرى. هذه الشفافية لا تقي فقط من تضخيم السلبيات القادمة من الخارج، بل تبني ثقة أكبر بين المنصة والمستخدم، وتمنح الشباب السعودي مساحة أوضح للنقاش حول قضاياه الخاصة دون أن يطغى عليها الضجيج الخارجي.

إضافة خاصية كهذه ليست رفاهية، بل ضرورة لحماية الوعي الجمعي من التشويش، ولضمان أن يكون المحتوى الذي يشكّل رأينا العام نابعًا من بيئتنا لا مستوردًا من سياقات لا تخصنا. فالخوارزميات ذكية، لكنها بلا بوصلة قيمية. وحده الإنسان من يملك حق توجيهها لتخدم وعيه لا لتضلله. بل يجب أن تطالب كافة الدول بهذه الخاصية من جميع منصات التواصل الاجتماعي كي تقضي على التضليل الإعلامي بشكل نهائي.

حين يظن المستخدم أن ما يراه سعودي بينما هو في معظمه من دول اخرى

المفارقة الصادمة أن كثيرًا من المستخدمين السعوديين يفتحون منصة "إكس" وهم على يقين أن غالب ما يشاهدونه من بوستات صادر من داخل السعودية، بينما الحقيقة الرقمية مختلفة تمامًا. فالخوارزمية، كما أوضحنا، لا تبني توصياتها على جغرافيتك بقدر ما تبنيها على لغتك وتفاعلك، ومع هيمنة الكتلة المصرية على فضاء اللغة العربية، فإن أغلب ما يصل إلى عين المستخدم السعودي مصدره مصر، وإن بدا له مألوفًا أو محليًا.

هذا الإيهام البصري يجعل الشارع السعودي في حالة تماهٍ مع خطاب ليس بالضرورة انعكاسًا لواقعه، بل هو في كثير من الأحيان صورة مكثفة للواقع المصري. فيظن البعض أن المزاج العام في السعودية يتشكل من الداخل، بينما هو في الحقيقة يتشكل جزئيًا تحت تأثير خارج الحدود، تُغذّيه كثافة التكرار وقوة الانتشار اللغوي.

والأثر المباشر لذلك يتجلى في مجالين:

  • النقاشات اليومية: كثير من الأحاديث في المجالس تنطلق من تريندات يظن المتابع أنها محلية، بينما جذورها في الواقع قضايا مصرية جرى ضخها بكثافة حتى وصلت للواجهة.

  • معايير الوعي العام: الشاب السعودي قد يتعامل مع محتوى مصري باعتباره "المعيار العربي"، فيقيس نجاحه أو فشله، أولوياته أو اهتماماته، بناءً على موجة ليست سعودية في الأصل.

إن خطورة هذا الالتباس تكمن في أنه يخلق "ظلًا إعلاميًا" يغطي على القضايا المحلية، ويعيد توجيه البوصلة العامة لما هو أكثر كثافة لغويًا لا لما هو أكثر أهمية واقعيًا. وهنا يصبح الشارع السعودي أمام مسؤولية وعي جديدة: أن يميّز بين ما هو صادر من ذاته وما هو صادر من الخارج، حتى لا يبني أولوياته على انعكاسات الآخرين.

ما تراه ليس دائمًا ما يعكس واقعك

من أكثر ما يجب أن ننتبه إليه اليوم، أن كثيرًا من النقاشات والسلبيات التي يظن المستخدم السعودي أنها نابعة من الداخل، ما هي إلا انعكاس لخوارزمية تُغذّي شاشته بمحتوى عربي واسع أغلبه صادر من خارج المملكة العربية السعودية. فيظن أن التريند المحلي انعكاس للشارع السعودي، بينما هو في الحقيقة صدى لكتلة سكانية وإعلامية ضخمة خارج حدوده.

وهنا تكمن الخطورة: أن نأخذ ما نراه على "إكس" كمرآة دقيقة لواقعنا، فنضخم السلبيات، ونمنحها أكبر من حجمها، ونبني عليها تصورات عن المجتمع لا تمت دائمًا للواقع بصلة. إن تضخيم هذه الصور الرقمية يُدخلنا في حالة تشويش، تجعلنا نُحمّل واقعنا ما لم يحدث فيه أساسًا.

الحقيقة أن الشارع السعودي أكثر اتزانًا وهدوءًا مما تصوّره المنصات. وما يُنشر على شبكات التواصل لا يمثل دائمًا "المجتمع" بل يمثل "المحتوى الأكثر تكرارًا وانتشارًا"، وهذا فارق جوهري. فإذا لم ندركه، سنقع في فخ تصديق كل ما نراه، ونخلط بين الانعكاس الافتراضي وبين نبض الناس الحقيقي.

لهذا علينا أن نتعامل مع السوشيال ميديا بعين ناقدة، نُميّز فيها بين ما هو محلي فعلاً، وما هو قادم من خارج حدودنا، وأن نعي أن الخوارزميات لا تبحث عن الحقيقة بقدر ما تبحث عن الأكثر انتشارًا. هنا فقط نحمي وعينا من التضليل، ونُبقي صورتنا عن أنفسنا أكثر نقاءً واتزانًا.